أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - بن لادن يهدد المغرب بالبوليساريو















المزيد.....



بن لادن يهدد المغرب بالبوليساريو


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1885 - 2007 / 4 / 14 - 12:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تقديم
هل تسعى كل من جبهة البوليساريو وتنظيم بن لادن إلى توحيد جهودهما مرحليا، كل من زاويته، لزعزعة الاستقرار بالمنطقة؟ سؤال افتراضي، انطلقنا منه بحثا عن عناصر للإجابة في هذا الاتجاه أو ذاك، في وقت أصبحت فيه "القاعدة" تتمرأى بجلاء في المغرب وفي بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل جنوب الصحراء.
وكيف يمكن لتقارب محتمل بين "القاعدة" والبوليساريو أن ينعكس على مغرب يتوخى أن يكون بلدا سياحيا ولا زال يحتضن جيوب الفقر والتهميش، في وقت يطمح فيه إلى علاقات ذات طبيعة خاصة مع واشنطن وسيادة تسمم العلاقة بين المغرب والجزائر، الشيء الذي يعرقل توحيد الجهود للتصدي للمجموعات الإرهابية؟
إن مختلف المؤشرات تفيد أن شكل الإرهاب بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل سيتخذ صورة مغايرة لما هو عليه الآن، إذ من المرتقب أن لا يقتصر على الانتحاريين و"التفجير الذاتي"، بل سيتخذ شكل حرب عصابات استنزافية.
ومن هنا يبرز تساؤل، قد يبدو غريبا في عيون البعض: هل يمكن للبوليساريو أن تستنجد بتنظيم القاعدة للهجوم على المغرب أو يهدد بن لادن المغرب بالبوليساريو؟ لكن قبل هذا وذاك، هل هناك روابط قائمة الآن بين البوليساريو والقاعدة؟

الإطار العام للإشكالية

قبل التطرق إلى إشكالية علاقة البوليساريو بتنظيم القاعدة وإمكانية تهديد بن لادن المغرب عبر وبواسطة البوليساريو، أو تهديدات هذه الأخيرة عبر وبواسطة تنظيم القاعدة، لا مناص من رسم بعض معالم الإطار العام الذي تطرح فيه.
والأكيد، والذي لا خلاف بصدده، هو ما أجمعت عليه كل التقارير المخابراتية، الأمريكية منها والأوروبية، كون منطقة الساحل في طور التحول إلى قاعدة "جديدة" للتدريب بالنسبة لتنظيم بن لادن والجماعة السلفية للدعوة والقتال.
ويظل الإطار العام يتسم باستمرار الجزائر في تعقيد النزاع حول الصحراء سعيا نحو إبقائه داخل مأزق بدون حل، وذلك باستمرارها الاعتماد على استراتيجية من أجل عرقلة أية تسوية نهائية لعبا على ورقة مراهنتها على تنافس الدول العظمى بخصوص المنطقة، هادفة من وراء ذلك ضرب عصفورين بحجر واحد: الاستفادة من صفقات النفط والسلاح وإفشال مخططات المغرب، هذا في وقت تزايدت فيه الأهمية السياسية والاقتصادية لمنطقة المغرب العربي لدى واشنطن.
وفي نفس الوقت الذي تشير فيه التقديرات الحالية لأجهزة الأمن من دول المغرب العربي وتقارير سلطات مكافحة الإرهاب الأوروبية، أن عدد المنتسبين للجماعات المسلحة في شمال إفريقيا قد يتراوح بين 4 و5 آلاف عنصر منظمين في خلايا مشكلة من جنسيات مغربية وجزائرية وليبية وتونسية وموريتانية، ومن مالي والنيجر ونيجريا وتشاد تنشط على مساحة تفوق 5 ملايين كيلومتر مربع في الصحراء الكبرى.
ومع بداية سنة 2004 تأكد تمركز عناصر متطرفة وإرهابية بالجنوب الجزائري وبتخوم مالي والنيجر على امتداد الساحل، وترسخ هذا الوجود بفعل اعتماد القاعدة على سياسة مساعدة الساكنة وتوفير جملة من الخدمات لهم، الطبية غالبا، والمساعدات الغذائية أحيانا.
وعندما لاحظت واشنطن تسرب عناصر القاعدة بالمنطقة بلورت برنامجا ومخططا أسمته "مخطط الساحل" الرامي إلى إمداد بلدان الساحل ودول المغرب العربي بمساعدات تقنية ولوجيستيكية للتصدي لتنظيم القاعدة.
كما أنه في السنوات الأخيرة تناسلت الخلايا الأصولية المتطرفة على امتداد التراب المغربي، إذ تم تفكيك أكثر من 40 خلية ذات ارتباط، بشكل أو بآخر، بتنظيم القاعدة، ويعتقد أن هناك أكثر من 100 خلية أخرى تم التعرف عليها دون التمكن من تفكيكها ووضع اليد على عناصرها، هذا في الوقت الذي تأكد فيه أن المغرب أضحى من البلدان التي انطلقت فيها آليات إنتاج وإعادة إنتاج الانتحاريين، الشيء الذي أصبحت أوروبا تعده من أكبر الأخطار المحدقة بها، كما أن المخابرات الأمريكية صنفت مدينة تطوان كمحطة من محطات استقطاب الانتحاريين المغاربة لتصديرهم إلى العراق وغيرها.
وعموما هناك، على الأقل 7 إشكاليات تؤثث هذا الإطار العام:
- الجماعة السلفية للدعوة والقتال وإمكانية روابطها بالبوليساريو وخطورتهما على المغرب.
- المغرب أضحى أكثر تهديدا من السابق من طرف تنظيم بن لادن.
- الأفغان المغاربة ظلوا نشيطين ولازالوا يتحركون.
- ثبوت ارتباط بعض السلفيين الجهاديين المحليين بتنظيم القاعدة.
- إمكانية بروز تيارات إرهابية في صفوف جبهة البوليساريو.
- الساحل الإفريقي والخوف الأمريكي.
- المغرب وإنتاج الإرهاب.
ومن المعلوم أن اعتقالات صيف سنة 2006 ونهايتها تحققت بفضل تسليم الجزائر لـ 6 معتقلين مغاربة استفادوا من تدريبات عسكرية بتخوم الصحراء، ويظل الأفغان المغاربة المعين الذي انطلق منه نشاط تنظيم بن لادن بالمغرب، ومنهم انبثقت الجماعة الإسلامية للمقاتلين المغاربة، وهي أقرب الجماعات المغربية، المنظمة والمهيكلة، إلى تنظيم القاعدة. وقد شملت الاعتقالات جملة منهم وهرب بعضهم إلى أوروبا بعد أحداث الدار البيضاء في 16 ماي 2003.
هذه بعض المعالم البارزة ذات العلاقة والتي تشكل الإطار العام الذي سنتناول ضمنه إشكالية الروابط الممكنة بين جبهة البوليساريو وتنظيم القاعدة وتداعياتها على المغرب والمنطقة عموما.

الاقتراب من القاعدة
خطة البوليساريو لتهديد المغرب

إن طبيعة الظروف التي تعيشها المنطقة قد تجعل جبهة البوليساريو مستعدة للتحالف مع أية جهة تكن العداء للمغرب وتعتبر خصما له، وعلى رأس هؤلاء المتطرفون، ولن تجد حاليا أحسن من تنظيم القاعدة أو توابعها لخدمة أهدافها المرحلية، لاسيما وأن جبهة البوليساريو تلتقي مع تنظيم القاعدة في نقطة زعزعة الاستقرار بالمنطقة وافتعال صراعات حادة حاليا لقطع الطريق في وجه البحث عن حلول دائمة للصراعات التي مازالت تفرق شعوب شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، فهل يمكن لجبهة البوليساريو اعتماد سبيل تهديد المغرب بتنظيم القاعدة؟

تحالف البوليساريو مع التطرف

لقد سبق لوزير العدل، محمد بوزبع، أن صرح أن هناك تيارا داخل جبهة البوليساريو مستعد لإقامة تحالف مع تنظيم القاعدة، كما توجد عناصر بالجبهة اخترقها التطرف الإسلامي.
وحسب جملة من التقارير المخابراتية، بدأت البوليساريو منذ مدة نسج علاقات مع الجماعات المتطرفة، خاصة القاعدة والجماعات المقاتلة في الجزائر والسلفية الجهادية في المغرب، كما أكدت إحدى تلك التقارير أن بعض عناصر البوليساريو انخرطوا في عمل مشترك في المناطق التي تتحرك فيها البوليساريو بكل حرية.
وأضافت أن القاعدة ظلت تسعى إلى التحالف أو الارتباط بأي جهة بمنطقة شمال إفريقيا والساحل قصد البحث عن طريقة لزعزعة الاستقرار لكبح مسار المغرب نحو البحث عن حل نهائي لملف الصحراء، علما أن هذه المنطقة أضحت تعتبر أضعف حلقة حاليا في الاستراتيجية الأمريكية، وقد أشار أكثر من مصدر إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ينسق بجدية بخصوص السبل لزعزعة الاستقرار، ويتم هذا التنسيق، لاسيما مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية والسلفية الجهادية مع جبهة البوليساريو، لكن هل هذا الأخير يعد فعلا تحولا؟

تحول البوليساريو

لا يمكن القول حاليا إن جبهة البوليساريو برمتها في تحول نحو الإرهاب أو نحو التحالف مع تنظيم القاعدة، لكن اعتبارا للتحولات والتطورات التي تعرفها المنطقة منذ 3 سنوات، لاسيما إذا لم يتم حل قضية الصحراء عبر التوافق، والغالب أن هذا المنحى هو الأكثر قبولا للتحقيق ما دام لا وجود لأية بشائر لاعتماد حل توافقي بخصوص ملف الصحراء، إذ أن كل طرف سرعان ما اعتمد إما التصعيد أو التشبث بموقفه، ولم يضع في حسبانه أية إمكانية للتراجع ما دام كل طرف أضحى مكبلا بمواقفه، فالمغرب لا يمكنه بأي حال من الأحوال التخلي عن الصحراء، لأن مثل هذا الموقف يعتبر خيانة لشهداء الصحراء، أما بالنسبة للجزائر فلن يسمح العسكريون بأي تراجع بهذا الخصوص لأنه سيعتبر هزيمة، ونفس الشيء بالنسبة للقائمين على جبهة البوليساريو حاليا، علما أن جملة من المؤشرات تبين أنه من الصعب بمكان أن يحظى مشروع المغرب بإجماع لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة، لذلك، يبدو أن أقصى ما يمكن التوصل إليه هو "ستاتيكو"، وهي وضعية لن تساعد على ضمان الاستقرار بالمنطقة، وهذا ما تسعى إليه واشنطن، خلافا للظاهر.
وبشهادة جملة من المحللين المتتبعين للتطورات في بلدان شمال إفريقيا، ظهرت منذ سنوات علامات بخصوص مكونات مرجعية جبهة البوليساريو، حيث لوحظ تغيير جملة من المحددات الماركسية اللينينية السائدة إبان الحرب الباردة إلى محددات قريبة جدا من الأصولية والإسلام المتطرف، ومما يشير إلى حدوث هذا التحول ما كشفت عنه السلطات الأمنية الموريتانية منذ منتصف يناير 2004، بخصوص اعتقال "ابا ولد محمد باخيلي"، وهو عضو نشيط بجبهة البوليساريو والذي ضبط وهو يحاول السطو على كميات كبيرة من المتفجرات من مخازن الشركة الوطنية الموريتانية للصناعة المعدنية، فقد حاول وضع اليد على 153 قنينة من المواد سهلة الاشتعال وأكثر من 12 كيلو متر من الأسلاك الرابطة المستعملة في المتفجرات عن بعد، وكل هذه المواد غير مستخدمة في حرب العصابات التي ظلت جبهة البوليساريو تعتمدها، بل تستعمل أساسا في الأعمال الإرهابية، وقتئذ طرح السؤال: هل جبهة البوليساريو تسعى إلى افتعال الحرب بالمنطقة أم أن عناصر بدأت في دعم الإرهاب بتسليمها مثل هذه المواد التي تستعملها كثيرا في أعمالها التخريبية؟
تضم البوليساريو ما يناهز 10 آلاف مقاتل يعيش أغلبهم سيرورة تحول نحو مجموعات سيكون من الصعب مراقبتها في وقت تحتضر فيه مرجعيتها الماركسية اللينينية وتبرز فيها المرجعية الإسلامية التي يحملها حاليا الجيل الجديد الذي تلقى عناصره تكوينهم بالجزائر والسودان واليمن وغيرها، علما أن جملة من هؤلاء أصبحت تمتهن تهريب الأسلحة والاتجار فيها، مما يجعلهم قريبين، بشكل أو بآخر، دون الارتباط مع تنظيم القاعدة الذي تناسلت عناصره في منطقة الساحل وجنوب الصحراء وذلك منذ سنة 2002.

بعض المؤشرات

من المؤشرات التي قد تدل على العلاقة بين البوليساريو والقاعدة الاهتمام الكبير سواء من طرف تنظيم بن لادن أو بالدول الكبرى بالمنطقة الكائنة بين جنوب المغرب والجزائر وشمال التشاد مرورا بتخوم موريتانيا ومالي والنيجر، وقد تجلى هذا الاهتمام عبر ما يسمى "مبادرة مخطط الساحل" INITIATIVE PLAN SAHEL والتي صار هدفها تأهيل كل من مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر للتصدي للجماعات الإرهابية، كما عملت هذه "المبادرة" بهذا الخصوص على إقامة جسور بين الجزائر وتونس والمغرب انطلاقا من جنوب الصحراء في إطار المغرب العربي.
علما أن واشنطن ساهمت، في الكواليس ومن وراء الستار، في انتشار أطروحة إمكانية التقارب المحتمل بين جبهة البوليساريو وتنظيم القاعدة، وذلك قصد إبراز الخطر الذي يشكله التطرف والإرهاب بالمنطقة لاستغلال الوضع قصد المزيد من تثبيت أقدامها على مسرح الأحداث.
في هذا الوقت لوحظ التحاق 2000 مقاتل بالمناطق الحدودية الجنوبية، وأغلبهم ربطوا علاقات بجماعات على علاقة هي الأخرى بتنظيم القاعدة، كما أشارت مصادر إلى استقطاب تنظيم بن لادن لبعض مقاتلي البوليساريو بعد استقرارهم بالزويرات بموريتانيا، وقد اتفقت المخابرات الأمريكية والفرنسية والمغربية والجزائرية على أن تنظيم القاعدة بعث مستقطبين إلى منطقة الزويرات منذ دجنبر 2005، وكانت بحوزة كل واحد منهم آنذاك ما بين 1000 و2000 دولار، وهذا المبلغ يعد ثروة بتلك المنطقة، ثم تبع هؤلاء آخرون آتين من تندوف، لاسيما بعد الفيضانات التي ألحقت أضرارا بمخيمات الحمادة.
وقد أحصت المخابرات الأمريكية ما يناهز 2500 شخص التحقوا بالزويرات قادمين من الجزائر في نهاية مارس 2006. كما كشفت أن تنظيم القاعدة يمول قوافل الصحراء المارة من الزويرات، وذلك بفضل دور الوساطة الذي لعبته في البداية الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وجماعة إفريقيا الشمالية، وهما الجماعتان اللتان شكلتا انطلاقة تواجد تنظيم بن لادن بالمنطقة، وبعد انكشاف هذه المعلومات أطلقت واشنطن، تحت إمرة "دونالد رامسفيلد" آنذاك، عملية TRANS-SAHARA COUNTER-TERROR FORCE في بلدان المغرب العربي ومن ضمنها المغرب.
ومن المؤشرات التي من شأنها الإدلال على تورط جبهة البوليساريو في علاقات مع تنظيم القاعدة وبعض توابعها بالمنطقة، تصريح الإمام ذي الأصول المغربية والمقيم بالديار الإسبانية، وهو الذي اعترف بتورط، جزائريين كانت لهم علاقة مع بعض أعضاء البوليساريو، في تفجيرات مدريد، وفاق عدد هؤلاء ثلاثين نفرا، علما أن مصادر أخرى أدلت أن هذا التصريح كان نتيجة ضغوطات قوية ومساومات بغية حبك قصة التوريط.
ومنذ أن تمكنت السلطات الأمنية المغربية من وضع اليد على شبكة متطرفة مكونة من 11 عنصرا، برزت بعض المؤشرات، التي من شأنها كذلك أن تفيد بوجود بعض الارتباطات بين هؤلاء وبين بعض الجماعات، قليلة هي عناصرها حاليا، مستقرة بالساحل الصحراوي من جهة، ومن جهة أخرى ارتباطهم بجماعات متطرفة مستقرة بأوروبا تنشط تحت لواء تنظيم القاعدة، وهذه معطيات وردت في تقارير صادرة عن الديسطي والفرقة الوطنية للشرطة القضائية ارتكازا على استنطاقات معتقلي طنجة.
إذ تأكد أن أحد هؤلاء المعتقلين سبق وأن نشط ببير كندوز (الصحراء) الكائنة بالحدود المغربية الموريتانية، كما أن بعض عناصر هذه المجموعة سبق لها وأن تواجدت بالساحل الإفريقي لتلقي تدريبات عسكرية هناك، لاسيما بخصوص صناعة واستعمال المتفجرات، وأشارت بعض الاعترافات أن هناك بعض عناصر البوليساريو تنشط في تهريب الأسلحة، عقدت لقاءات مع أحد العناصر من مجموعة طنجة بحضور عناصر من الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال الجزائرية قبل الإعلان عن الانضمام إلى تنظيم القاعدة.
وهناك أيضا ما جاء في تقرير "مونيكي".

تقرير "مونيكي"

ظل الكثيرون يعتبرون أن للبوليساريو روابط مع الإرهاب والإرهابيين، فمنذ سنة 2006 أكد "كلود مونيكي" على وجود علاقات بين جبهة البوليساريو وجماعات إرهابية، وهناك من ذهب أبعد من هذا، إذ أقروا أن علاقة الانفصاليين بالإرهاب أضحت قائمة ولا تحتاج إلى دليل.
ففي 4 أكتوبر 2006 قدم "مونيكي"، رئيس المركز الأوروبي لتحليل وتتبع الأخطار والتهديدات، تقريرا للجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة يشير فيه إلى وجود روابط بين جبهة البوليساريو وتنظيم بن لادن، وقد خصص القسم الثالث من هذا التقرير لهذه الإشكالية.
لقد قال الخبير الفرنسي البلجيكي، "كلود مونيكي"، ما معناه أنه لا يمكن الإقرار الآن (2006) بأن جبهة البوليساريو جماعة إرهابية، لكنها جماعة في طور التفكك والانحراف، وبالتالي ليس من المستبعد أن عناصر منها يمكنها الالتحاق بصفوف الإرهابيين، لاسيما وأنهم أناس مازالوا يحملون السلاح وعلى دراية جيدة، أكثر من غيرهم، بجغرافية المنطقة وخبروا حرب العصابات بها.
ويستند "كلود مونيكي" على جملة من الأحداث، من بينها مساهمة بعض عناصر البوليساريو في الهجوم على القاعدة العسكرية الموريتانية بـ "لمغيتي" سنة 2005.

ماذا عن زاوية تنظيم القاعدة؟

عن زاوية تنظيم بن لادن تأكد بما فيه الكفاية أنها تسعى جاهدة لإقامة بؤر تأثير وحركية بشمال إفريقيا انطلاقا من جنوب الصحراء، كما ظهرت أكثر من محاولة لاستعمال عناصر نشيطة من البوليساريو في المنطقة، لاسيما أولائك الذين تحولوا إلى امتهان تهريب السلاح، وذلك بعد أن حددت أهم أهدافها في زعزعة الاستقرار بالمغرب.
وقد تزامن هذا مع التحول الذي طرأ في صفوف جبهة البوليساريو التي أضحت تبحث عن موارد جديدة للتمويل، وقد وجد بعضهم ضالتهم في تهريب السلاح والاتجار به، هذا من الناحية المالية، أما من الناحية الإيديولوجية يبدو أن البوليساريو بدأت تبحث عن نفس جديد، وقد وجدته بعض تياراتها في الأصولية كإيديولوجية معولمة اخترقت كل الحدود بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
علما بأنه لازال بطيئا حاليا لكنه موجود، ولتبيان هذا التحول أشار "شوبراد" للتحول الذي عرفته مدينة "تيدال" بشمال مالي، والتي كانت معقلا للحركة التحررية الطوارقية، لكنها سرعان ما تحولت إلى بؤرة لتهريب السلاح والسيارات المسروقة والهجرة السرية غير المشروعة، وبموازاة مع هذا النشاط، أضحت معقلا للعناصر الإرهابية، كما أصبح من الملاحظ تعاطف سكانها مع بن لادن وتنظيم القاعدة.

منحى الموقفين المغربي والجزائري

تذهب السلطات المغربية إلى القول إن جبهة البوليساريو في إطار رغبتها الحثيثة لزعزعة الاستقرار بالمغرب بأي ثمن، تعاون بعض عناصرها مع تنظيم القاعدة بواسطة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، لاسيما بعد انضوائها تحت لواء تنظيم بن لادن، وفي هذا الصدد قد تتكلف جماعات السلفية الجهادية بالمغرب بتنفيذ أجزاء من مخطط زعزعة الاستقرار على أرض التراب المغربي، وهذا هو المنحى العام للطرح المغربي، فماذا عن المنحى العام للطرح الجزائري؟
فبالرغم أن كل المصادر الرسمية الجزائرية أجمعت على أن تصريحات المسؤولين المغاربة بخصوص علاقات جبهة البوليساريو بتنظيم القاعدة، مجرد اختلاق فرضته سياسة الهروب إلى الأمام الرامية إلى تشويه صورة الجزائري وحليفتها البوليساريو لدى الرأي العام الدولي، فإن أغلب المحللين يرون أن سيرورة تقوية التيار الإسلامي في صفوف جبهة البوليساريو سيخلصها من قبضة المخابرات الجزائرية، بل منهم من يرى أن الخيار الوحيد للبوليساريو، إن هي أرادت البقاء، هو التخلص من هذه القبضة.
والسعي نحو هذا التخلص يفترض البحث عن جهة تتضمن الدعوة والمساندة والتمويل، والقاعدة مستعدة الآن للقيام بذلك، حتى ولو دعا الأمر إخلاء تندوف والاستقرار بمنطقة أخرى، لاسيما وأن منطقة جنوب الصحراء والساحل الإفريقي أضحت من المناطق التي يصعب مراقبتها الجغرافية، وتنضاف صعوبة أخرى بفعل فقرها وبفعل عدم ثقة ساكنتها في الأنظمة السياسية التي خبرت تعاملها، في الماضي على امتداد سنوات طوال.

منحى الإعلام الغربي

من مقال تحت عنوان "المغرب العربي يخشى هجوم تنظيم القاعدة"، تطرقت الصحفية الفرنسية "آرييل تيدريل" إلى إشكالية التعاون بين جبهة البوليساريو والأوساط الإرهابية، وعلى رأسها شبكات تنظيم القاعدة، وأقرت بأن منطقة المغرب العربي أضحت فضاء لنشاط مجموعة إرهابية تحت ذريعة الجهاد، وأن عناصر من البوليساريو لن تظل تتفرج وإنما بدأت تعمل على الاستفادة من هذا التحول بفعل حركية التغيير النشيطة داخلها الآن.
غير أن أغلب الوسائل الإعلامية الغربية سارت في اتجاه عدم ارتكاز هذا الطرح وأطروحة المغرب على دلائل قاطعة تبين العلاقة بين جبهة البوليساريو وتنظيم القاعدة، معتبرة غياب أية مصلحة لهذه الأخيرة في تعاونها مع بن لادن وتنظيمه، لاسيما وأن الموالين له يعدون أعداء للنظام الجزائري الحاضن لجبهة البوليساريو والداعم لوجودها حاليا.

الأطروحة الرسمية

هناك علاقة بين جبهة البوليساريو وتنظيم القاعدة وعلى مسار تقوية روابط الجانبين، هذه هي الأطروحة الرسمية.
فمن المعلوم أنه منذ أحداث 11 شتنبر 2001 بأمريكا تناسلت إشاعة مفادها أن أسامة بن لادن قام بزيارة لمخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف، وقد نشرت بعض وسائل الإعلام المغربي كتابات بهذا الخصوص، آنذاك شبه البعض هذه الإشاعة بتلك التي روجت بخصوص علاقة الملك الراحل الحسن الثاني بـ "جون ماري لوبن" أحد أقطاب اليمين المتطرف الفرنسي.
وتذهب آخر أطروحة للمخابرات المغربية إلى اعتبار أن جبهة البوليساريو تساعد جماعات إرهابية تستهدف المغرب رغم تباعد مرجعية الطرفين، باعتبار أن هذا التقارب يخدم أحد أهداف الانفصاليين، وهو تفعيل ودعم الأفعال التخريبية التي من شأنها النيل من استقرار المغرب.
وعموما أضحت الجهات الرسمية بالمغرب تعتبر جبهة البوليساريو، في جملة من قواعدها، أنها حزب جهوي مغربي معارض رغم عدم تمثيليته بالتراب المغربي، وانطلاقا من هذا المنظور أبدى المسؤولون عن استعدادهم للتشاور معها في مشروع الحكم الذاتي.
لكن الجزائر لا زالت تعمل جاهدة على عرقلة التوصل إلى التشاور مع قواد جبهة البوليساريو بخصوص الحكم الذاتي، وذلك عبر محاولة إظهار أن "الجمهورية الصحراوية" الوهمية لازالت قائمة، وأنها مدعمة ومعترف بها في الخارج بإتباع سبل الارتشاء أو القبول بصفقات التسلح مقابل مواقف تعترف بها، فأغلب الدول المعترفة بالجمهورية المذكورة اشتريت بالبترودولارات.
وأقر وزير العدل، محمد بوزبع، منذ مارس 2006 أن البوليساريو تربطها علاقات بشبكات تنظيم القاعدة التي تدعمها بالمال والسلاح، إن تنظيم القاعدة يلتقي بجبهة البوليساريو حول زعزعة الاستقرار بمنطقة الساحل عموما.
وتأكد هذا الاتفاق عبر الارتباط الحاصل بين البوليساريو والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وبعض المحسوبين على تيارات السلفية الجهادية بالمغرب.
ويقر محمد بوزبع أن تصريحاته، بهذا الخصوص، ترتكز على معطيات واردة في تقارير مخابراتية دولية، لاسيما الأمريكية منها.
وحسبه، من مؤشرات روابط البوليساريو مع الإرهاب والإرهابيين، استغلالها لمساعدات الصليب الأحمر كغطاء للمتاجرة بالأسلحة وتهريبها، لاسيما وأن دواليب المساعدات الإنسانية غير خاضعة للمراقبة، وهذا أمر يشكل خطورة كبيرة على المنطقة.

المشككون في الأطروحة الرسمية

أبدى البعض تشككهم بخصوص الأطروحة الرسمية وتصريحات وزير العدل، محمد بوزبع.
ويربط المشككون في الأطروحة الرسمية بالحملات الدعائية والحرب الإعلامية السابقة بدءا بأطروحة البوليساريو كحركة شيوعية وملحدة في السبعينيات، وأطروحة بوليساريو الخمينية في بداية الثمانينيات بعد سقوط نظام الشاه بإيران وأزمة المحتجزين الأمريكيين، ثم تلتها أطروحة الكاسترية (نسبة لكاسترو – كوبا) في التسعينيات، وهي الأطروحة التي صنفت البوليساريو كبقايا الشيوعية المحتضرة، وأخيرا، تلتها أطروحة ارتباط البوليساريو بتنظيم القاعدة.
ويعتبر المشككون في هذه الأطروحة أن هذه خطة حرب دعائية بلورتها المخابرات المغربية، وبكونها خطة غير ذكية، وقد تكون انعكاساتها عكس ما يتوقع مهندسوها، لاسيما وأن مرجعية الجبهة واضحة وميلادها واضح، كما أن معين مؤسسيها معلوم وارتباطها بالجزائر، التي لازال يتحكم فيها العسكريون، يمنعها من السير في هذا المسار.
لذلك يتساءل هؤلاء المتشككون في الأطروحة الرسمية: كيف يمكن تصديق تحول البوليساريو من الماركسية اللينينية إلى الخمينينة ثم الغيفارية وصولا إلى "البنلادنية"؟


خطة تنظيم بن لادن بالمغرب العربي وتواجده ببلادنا

هل توجد القاعدة بالمغرب؟ وما هي خطتها بالمنطقة؟ إنهما سؤالان ترددا كثيرا منذ أن تأكد للجميع أن منطقة الساحل وجنوب الصحراء أضحت تشكل أضعف حلقة في الخريطة الأمنية.
وهذا ما كشفه تحقيق نشرته جريدة الـ "باييس" الإسبانية يوم 11 مارس 2007، وختمته بالقول إن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي حاليا، يعمل جاهدا على توحيد مختلف الخلايا المتطرفة تحت قيادة جهوية واحدة.
كما أنه اتضح منذ نهاية سنة 2004، أن تنظيم القاعدة سعى إلى توسيع رقعة المواجهة وتحويلها من العراق حاليا إلى القارة الإفريقية، وقد سبق للرجل الثاني بالقاعدة، أيمن الظواهري، أن قال إن الوقت قد حان لوضع شوكة جديدة في قدم (أو حلق) التحالف الأمريكي الأوروبي، ويعني بذلك زعزعة الاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا القريبة من أوروبا.
وفي هذا الصدد أشارت جملة من المصادر أن قيادة تنظيم القاعدة أوفدت أحد المقربين إليها إلى المغرب لتوحيد الخلايا "الإرهابية" وربط الاتصال مع الصحراويين قصد استقطابهم للتنظيم، وقد قيل وقتئذ إن هذا الموفد استعمل جواز سفر "تايلاندي" تحت غطاء المتاجرة بالآثار والتحف العتيقة، وتزامنت هذه المعطيات مع تفكيك خلايا أنصار المهدي، وأدت خيوط البحث، في آخر المطاف، إلى وضع اليد على سعد الحسيني.
آنذاك كانت تونس تعرف تحركات الجماعات السلفية وحركية الأفغان التونسيين الذين خططوا لهجومات على بعض البعثات الديبلوماسية الغربية وبعض المؤسسات السياحية بتونس وبعض كبريات فنادقها.
وقتئذ تصاعدت وتيرة الإرهاب من جديد على التراب الجزائري وتبنى تنظيم القاعدة عدة عمليات هناك، وكشفت السلطات الجزائرية شبكة تهريب السلاح إلى المغرب العربي، والتي يدير شؤونها تونسي وفرنسيان.
أما على الصعيد الليبي، برزت مؤخرا الجماعة الإسلامية المقاتلة التي تضم في صفوفها الأفغان الليبيين والذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام القدافي مطلع التسعينيات، علما أن هذه الموجة نشأت منذ 1980 عندما صرح معمر القدافي بأنه وجب القضاء على المتطرفين كما نقضي على الكلاب الضالة والمسعورة، وحسب جملة من المحللين، هذه التهديدات التي أصبح يعيشها النظام الليبي هي التي فرضت على القدافي الإرتماء في أحضان واشنطن والامتثال لأوامرها.
فهذا هو المسار العام الذي جعل تنظيم القاعدة يبحث في اتجاه خلق روابط مع جبهة البوليساريو عبر بعض عناصرها أو إحدى تياراتها، كجماعة أو مجموعة من شأنها الالتقاء معها بخصوص زعزعة الاستقرار بالمنطقة، ما دام أن الآفاق أضحت مسدودة في وجه البوليساريو بخصوص حلمها الأصلي ومخططاتها في الصحراء، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، أكدت بعض التقارير المخابراتية، لاسيما الأمريكية والمغربية، أنه في الأونة الأخيرة تكلف كل من المدعو "عزيز شكاني" (المعروف بيوسف) والمدعو "عبد العالي شرعي" (المعروف بالبشير) بالاضطلاع بمهمة التنسيق بين تنظيم القاعدة بشمال إفريقيا و"الجهاديين" بالمغرب، وهذان الشخصان هما موضوع بحث دولي حاليا. كما تأكد منذ بداية التسعينيات وجود مغاربة تربطهم علاقات بتنظيم بن لادن، بعضهم مقيمون بالمغرب والباقي بأوروبا، وأغلب هؤلاء عاشوا ردحا من الزمن بأفغانستان وشاركوا في الحرب بجانب طالبان، وارتبط هؤلاء بشبكات القاعدة التي يقوم على قيادتها جزائريون في المرحلة الحالية.
ولازال تنظيم القاعدة يعمل حاليا على تقوية وجوده بشمال إفريقيا أملا في إقامة قواعد متحركة بمنطقة الساحل في المرحلة الأولى معتمدا بالأساس على الجماعة السلفية الجزائرية واستغلال جماعات التهريب، والتي تدير شؤونها عناصر من البوليساريو على امتداد المنطقة. وهذه أول خطوة في استراتيجية تنظيم بن لادن بالمنطقة، والرامية إلى تحويلها إلى مجال لتفعيل التدخل الأمريكي قصد التقليل من الضغط على العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
وإذا أضحى من المؤكد ضم منطقة الساحل إلى استراتيجية القاعدة، فإن هذه الأخيرة بصدد ضم شمال إفريقيا إليها لتفعيل حرب "إرهابية" تمتد نيرانها إلى أوروبا التي تحتضن جاليات مسلمة مهمة.
وذلك لأن قادة القاعدة يعلمون أن مناطق النفط بإفريقيا مستهدفة بقوة من طرف البانتاغون، المحدد للسياسة الخارجية الأمريكية.
إن المنطقة التي تشمل الساحل وجنوب الصحراء توفر لتنظيم بن لادن إمكانية إقامة قواعد، قد تشكل خلفية لخوض حرب استنزاف ضد المصالح الأمريكية.
وتعمل القاعدة حاليا على استغلال البؤر المشتعلة أو القابلة للاشتعال في مختلف البلدان المجاورة لاسيما المغاربية منها، وفي هذا الصدد تسعى حاليا لجلب عناصر من جبهة البوليساريو واستغلال إشكالية الطوارق، الذين لا يعترفون بأية حدود، وكذلك تجار السلاح والمهربين لخدمة استراتيجيتها.

إيميريك شوبراد

"أصبحت جبهة البوليساريو تشكل خطرا على السلام والأمن والديمقراطية، ليس في المغرب العربي فقط، وإنما في العالم كله".
هذا ما صرح به "إيميريك شوبراد" يوم 31 مارس 2004 بجنيف.


في محاضرة ألقاها "شوبراد" بجامعة جنيف بخصوص التحولات التي طرأت على جبهة البوليساريو، حيث أقر أن التحول داخل الجبهة سائر نحو الاقتراب من الأصولية والإرهاب.
و"إيميريك شوبراد" هذا، هو أستاذ السياسة الجغرافية بجامعة السوربون بفرنسا ومدير الدراسات بالمدرسة الحربية بباريس ورئيس تحرير المجلة الفرنسية للسياسة الجغرافية ومدير سلسلة بمنشورات "إليبسيس" بباريس، وآخر مؤلفاته صدر سنة 2003 تحت عنوان: "السياسة الجغرافية، سكون وتحول عبر التاريخ".
تحدث "شوبراد" في محاضرته عن إمكانية اعتبار أن هناك نوعا من التكاملية بين بعض تيارات جبهة البوليساريو (الجيل الجديد) وعناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والتي تعتبر أهم تنظيم متطرف بالديار الجزائرية، وهذا التكامل بين الطرفين ظهر بجلاء في تهريب الأسلحة واختطاف السواح الأجانب.
ويقر "شوبراد" أن منحى تحول جبهة البوليساريو يقلق حاليا الأمنيين المغاربة ويقض مضجع القائمين على الأمور على امتداد شمال إفريقيا وجنوب الصحراء والساحل، بل حتى الدول الأوروبية المجاورة.
يعتقد "شوبراد" أنه، تحت تأثير التحولات التي تعرفها المنطقة وبوصول عناصر جديدة متأثرة بالأصولية إلى صفوف جبهة البوليساريو، بدأت تظهر مؤشرات تحولها نحو الأصولية والإرهاب. هذا، في وقت، تأكد فيه وجود ما بين 500 و600 شخص خبروا الحرب في أفغانستان بالمنطقة، كما يرى "شوبراد" أن جبهة البوليساريو لم تعد تحظى بدعم شعبي، كما كانت من قبل، وبالتالي لا يمكنها الاستمرار في حمل صفة حركة تحرر وطني، لذا فإن جملة من تياراتها من شأنها أن تلتحق بالحركات المتطرفة بالمنطقة، وأهم هذه الحركات هي الجماعات الأصولية، وأقواها وأغناها هي المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة.
يخلص "شوبراد" إلى أن هناك حظوظا ضئيلة في أن تبقى جبهة البوليساريو عن منأى من الإيديولوجيات المتطرفة.

ركائز السياسة الأمريكية بالمنطقة
أمريكا تنتظر فرصة الانقضاض على المنطقة

لقد اتضحت الآن معالم السياسة الأمريكية بالمغرب العربي والساحل، منذ خروج ليبيا من لائحة الدول الداعمة للإرهاب وعندما فتحت موريتانيا أبوابها على مصراعيها للتعامل مع الكيان الصهيوني بدون تحفظ.
وقد تأكدت معالم السياسة الأمريكية بالمنطقة مع بروز نية واشنطن في تقوية الجزائر على المغرب في مجال التسلح والخبرات النووية، علما أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت تتلكأ في مواقفها بخصوص ملف الصحراء مدعية أنها تدافع عن وجهة نظر محايدة في الموضوع، وتلوح الولايات المتحدة حاليا بورقة مكافحة الإرهاب كذريعة لإحداث قواعد عسكرية بالمنطقة، كما أنه في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي تأكد مسار يشجع بعض الجمعيات والجهات لزعزعة وضع الاستقرار بالمنطقة.
ابتداء من سنة 2003 كشفت بعض المؤشرات عن رغبة واشنطن في التواجد بقوة، أكثر من الأمس، بمنطقة الساحل والمغرب العربي، وابتداء من سنة 2003 انكشفت مؤشرات على أمريكا في التواجد بمنطقة الساحل والمغرب العربي.
وفي هذا الإطار تأكد وجود خبراء أمريكيين تكلفوا بتدريب قوات بعض بلدان المنطقة، كما عمدت واشنطن سريا إلى إحداث شبه قاعدة لها بمالي، وإحداث مكتب المخابرات المركزية بها لمراقبة المنطقة وتحركات القبائل الرحل وتهريب الأسلحة وحراسة منابع البترول الجزائري، إذ أن الجزائر تساهم في تغطية ما يناهز 20 في المائة من حجم الاستهلاك الأمريكي من النفط، مع التخطيط لتجاوز هذه النسبة إلى أكثر من 25 في المائة بحلول سنة 2015.
وتسعى واشنطن حاليا إلى التدخل بالمنطقة للسيطرة على بلدان المنطقة، وقد فعّلت رغبتها هذه منذ أن بلورت مفهوم الحرب الاستباقية ضد أي تهديد أمني قد يربك حسابات البيت الأبيض، وهذا ما كان بوش الأب قد بدأه وسار على دربه بوش الابن.
وعموما لم يختلف جوهر السياسة الأمريكية بخصوص المسارين الشرق أوسطي والشمال إفريقي، علما أن أبناء منطقة المغرب العربي تواجدوا، وأحيانا بقوة، بمناطق مواجهة الإسلاميين مع الإمبريالية الأمريكية، وعلما كذلك أنه حاليا دخلت منطقة المغرب العربي في حسابات البيت الأبيض وبرامجه بعد الإقرار باتخاذ هذه المنطقة كنقطة ارتكاز جيوستراتيجي على اعتبار أنها تتوفر على جملة من المؤهلات تجعلها خلفية استراتيجية لتزويد القوى الكبرى بالطاقة والإمدادات الميدانية.
ترتكز السياسة الأمريكية بمنطقة شمال إفريقيا على رغبتها في السيطرة على مصادر الطاقة (البترول والغاز الطبيعي) والقضاء على الحركات التحررية المناهضة للسياسة الأمريكية في العالم، خصوصا الجماعات ذات المرجعية الإسلامية المتطرفة بدعوى عدائها للنهج "الديمقراطي" الأمريكي، علما أن دول المغرب العربي، في منظور واشنطن، أضحت في السنوات الأخيرة مجالا خصبا لنشاط التنظيمات الإسلامية والجماعات الدينية، إضافة إلى هاجس أمريكا الرامي إلى محاربة الدول النامية ذات المشروع العلمي والرامية إلى امتلاك التكنولوجية، خاصة منها ما يرتبط بالمجال النووي.
وهناك عنصر، مازال يغيبه المحللون بخصوص تفعيل الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة، وهو عنصر قد تبدو علاقته غريبة للبعض بالموضوع، لكنه ساهم في تسريع تفعيل تلك الاستراتيجية، وهو سعي المغرب الحثيث إلى حل سلمي لمشكل الصحراء عن طريق مقترح الحكم الذاتي، الشيء الذي سيقوي أسس الاستقرار والأمن بالمنطقة، وهذا مالا ترغب فيه حاليا واشنطن، في وقت تمكنت فيه الجزائر من تحقيق فائض مالي قد يجعل منها قوة اقتصادية مما سيدفعها إلى السعي نحو بناء تكتل اقتصادي، وهو أمر لن تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية لأنه يهدد مصالحها بالمنطقة.
وفي هذا المضمار تناسلت تساؤلات بخصوص إعداد الظروف ومحاولة فبركة الأسباب من طرف واشنطن لتبرير تدخل "حتمي" بالمنطقة وبطلب ظاهري من غيرها، تحت مظلة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وذريعة حماية دول المغرب العربي من تهديدات تنظيم القاعدة.
قد يبدو هذا التحليل غريبا للبعض، لكنه يرتبط بمعطى من الصعب التنكر له، وهو رغبة البيت الأبيض في تهييء الظروف للتدخل الأجنبي بالمنطقة، والأمريكي على وجه الخصوص.
وقد اتضحت هذه الرغبة الأمريكية منذ أن صدر تقرير مركز الأبحاث الأمريكي "ستراتفور" (STRATFOR)، ومما جاء فيه أن الأوساط المخابراتية المغاربية تخشى أكثر من أي وقت مضى، "تسونامي أصولي"، وذلك منذ أن أعلنت الجماعة الجزائرية للدعوة والقتال انضمامها تحت لواء تنظيم القاعدة، وحسب هذا التقرير سبق لأسامة بن لادن أن كلف الجزائريين بمهمة توحيد الجماعات الجهادية بمنطقة المغرب العربي، بدءا بالجماعة الإسلامية للمقاتلين المغاربة.
ومن المؤشرات التي تفيد أن واشنطن تنتظر فرصة الانقضاض على المنطقة، استغلالها إلى آخر رمق تهديدات أيمن الظواهري وحرصها القوي على إبقاء مختلف الخلافات قائمة بين المغرب والجزائر، إذ أنها لا تبذل المجهود المنتظر منها من أجل البحث عن حلول لإنهائها، فهي تطلب شيئا واحدا من القائمين على الأمور ببلدان المنطقة، أن يخوضوا معها إلى النهاية حربا مستدامة للقضاء على تنظيم بن لادن ما دام يشكل أكبر تهديد لمصالحها، ولعل أكبر دليل، بهذا الخصوص، أن الولايات المتحدة لم تسع يوما للفعل في اتجاه إنهاء مشكل الصحراء فعليا.

عبد الكريم الأمراني/ إعلامي
علاقة القاعدة بالبوليساريو نكتة
لم نكد نلج مقهى فرنسا بالدار البيضاء حتى بدا لنا الزميل عبد الكريم الأمراني بنظارته السميكة التي تدرجه، من حيث لا يدري، في خانة الانتيلجانسيا المسكونة بهم البلاد والعباد، وما أن انطلق الحديث معه حتى انكشف صدق خاص يطبع حديثه وإجاباته، مباشرة بدون لف ولا دوران.

- ما هي قراءتكم لبروز الأعمال الموصوفة بالإرهابية بمنطقة شمال إفريقيا؟

+ أولا لدي تحفظ بخصوص بعض العبارات مثل "الموصوفة بالإرهاب" أو "ما يسمى بالإرهاب"، لأن الإرهاب إرهاب، فأي استهداف للمدنيين من أية جهة كانت وتحت أي شعار فهو عمل إرهابي.
فهذه العبارات التي تستعملها بعض وسائل الإعلام العربية من "ما يسمى" أو "ما يوصف"، أعتقد أنه يجب الإقلاع عنها.
فالهجوم على مؤسسات عمومية وشبه عمومية، تحتضن مدنيين هو عمل إرهابي أيا كان مصدره وأيا كان شعاره، حتى ولو كان شعارا نزيها مثل محاربة الاستبداد أو محاربة الفساد أو محاربة الاستعمار الأمريكي أو محاربة الامبريالية.. إن استهداف المدنيين هو عمل إرهابي.

- هل هناك تواجد لتنظيم القاعدة بالمنطقة؟

+ من المؤكد أنه بالنسبة للجزائر الأمر لا لبس فيه. هناك تواجد لتنظيم القاعدة بالجزائر، وهناك إرهابيون يوقعون أعمالهم الإرهابية من هذا المنطلق.
إذن المسألة لا تحتاج إلى تأكيد، فالمعنيون بالأمر يؤكدون بأنفسهم أنهم مرتبطون بتنظيم القاعدة، وخارج الجزائر لم يعلن أي تنظيم إسلاموي ارتباطه بتنظيم القاعدة، السلفية الجهادية والجماعات الأخرى لم تعلن ارتباطها بالقاعدة حتى إشعار آخر.

- قيل إن هناك علاقات بين تنظيم القاعدة وجبهة البوليساريو، فما قولكم؟

+ هذه نكتة، وفي هذا الإطار يمكنني أن أقدم بعض المعطيات، عندما كنت أشرف على جريدة "صوت الناس"، قبل حوالي تسعة أشهر، ربما عاينتم أغرب خبر نشرته صحيفة مغربية، وهو أن أحد مواقع الانترنيت التابعة للمخابرات التشيكية كشفت عن وجود ارتباط بين تنظيم القاعدة وجبهة البوليساريو، والمقال كان موقعا باسم جمال براوي. وفي حينه، اعتبرته نكتة لعدة اعتبارات، أولها أن الجميع يعلم الجذور الإيديولوجية لجبهة البوليساريو، كما نعلم أن هذه الأخيرة أسسها شباب مغاربة كانوا معارضين للنظام المغربي، وكان هدفهم هو جعل الصحراء بؤرة ثورية ينطلقون منها لـ "تحرير المغرب"، وكان هؤلاء يؤمنون بالماركسية اللينينية كإيديولوجية، وأعتقد أنهم لازالوا كذلك، إن عبد العزيز المراكشي وجماعته لازالوا إلى حد الآن يعلنون ارتباطهم بالفكر اليساري وبالإيديولوجية الماركسية ولم يتبرأوا منها في أي يوم من الأيام، والقول بأن هذا التنظيم الماركسي اللينيني اليساري ربط علاقات بتنظيم القاعدة، أعتقد أنه أمر سخيف، وأي شخص سمع شيئا من هذا القبيل لن يتردد في ربطه بجهات لها مصلحة لإقناع جهات معينة بأن البوليساريو أصبحت الآن من التنظيمات الإرهابية الدولية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، وأعتقد أن هذا لن يقنع أحدا.
إذا كنا نريد مثلا كمغاربة أو كأجهزة أو كمخابرات مغربية إقناع الولايات المتحدة بأن البوليساريو تتعاون مع القاعدة بهذه الطريقة، فما أظن أن وكالة المخابرات الأمريكية (سي.إي.يا) ستقتنع في هذا الشأن وبهذه السهولة.
من المستبعد، بل من المستحيل القول بهذا، وأعتقد أن من يقول بذلك إنما يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره.

- هل بإمكان تنظيم القاعدة اختراق جبهة البوليساريو والتواجد في صفوف سكان المخيمات اعتبارا للأوضاع التي تسود المنقطة؟ وهل هناك تواجد للفكر "الجهادي" كما يراه تنظيم القاعدة في صفوف الصحراويين؟

+ ليست لدي معلومات مؤكدة، الأمر يحتاج إلى زيارة ميدانية وإلى معرفة واقع الحال بالمنطقة، ولكن انطلاقا مما أعرفه وأعلمه، سكان المخيمات مؤطرون تأطيرا بوليسيا دقيقا من طرف المخابرات الجزائرية قبل البوليساريو، ولا أعتقد أن المخابرات الجزائرية ستسمح بتسلل القاعدة إلى هذه المخيمات، ناهيك عن جبهة البوليساريو.
إن الكلام عن تغلغل القاعدة أو غيرها بمخيمات تندوف أو لحمادة أعتقد أنه أمر مضحك، وما قلته سابقا يؤكد استحالة هذا النوع من الاختراق لأن الجزائريين حريصون كل الحرص على أن لا يفلت الأمر من بين أيديهم في تلك المنطقة، وقيادة البوليساريو لن تسمح باختراق التيارات الأصولية المتطرفة سكان المنطقة، من المحتمل أن يتم ذلك في الجزائر أو دول المغرب العربي الأخرى، أما منطقة تندوف، أعتقد أنها مؤطرة بوليسيا وأمنيا واستخبراتيا، الشيء الذي يجعل من المستحيل على تنظيمات متطرفة أصولية اختراق سكان هذه المناطق.

- مع تصاعد الأعمال الإرهابية بشمال إفريقيا، هل هناك احتمال التدخل الأمريكي؟

+ أعتقد أن الأعمال الإرهابية بالمغرب العربي ستتصاعد، فالمغرب مستهدف وليست هناك سياسة عقلانية لمواجهة هذا المد الإرهابي الذي يتهدد استقرار المغرب. هناك تعامل أمني لا يواكبه عمل منهجي على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن للأمن وحده أن يحل المشكل، وللأسف الشديد إن التيار الذي يتحكم الآن في هذا المجال هو التيار الاحتوائي على حساب التيار الذي كان يسمى التيار الاستئصالي، وأعتقد أنه من الخطأ الاستمرار في الاختيارات الحالية، أتمنى أن أكون مخطئا، لكن في اعتقادي أن الاستمرار في نهج السياسة الحالية سيؤدي إلى تصاعد مثل هذه الأعمال الإرهابية التي ستهدد استقرار المغرب، اللهم إذا تم تغيير السياسة ومواكبة العمل الأمني الجيد بسياسة اقتصادية اجتماعية.

- في ظل هذه الأوضاع هل احتمال تدخل أمريكي في المنطقة وارد؟

+ الدولة المغربية قوية بما فيه الكفاية، والمطلوب هو سياسة أكثر عقلانية يتواكب فيها العمل الأمني مع العمل على الصعيد الثقافي، والصعيد التعليمي، والصعيد الاقتصادي ومحاربة الفقر وفتح آفاق أمام الشباب وخلق فضاءات لهم لإخراجهم من التهميش، فإذا اتبع المغرب سياسة عقلانية في هذا المجال، أعتقد أن الدولة المغربية قوية بما فيه الكفاية، ولن يحتاج المغرب إلى أمريكا ولا إلى غيرها.

- أعلن وزير الخارجية الجزائري عن رفض إقامة قواعد أمريكية بالجزائر، فهل تعتبرون أن واشنطن ستتخلى عن رغبتها في إقامة هذه القواعد أم أنها ستلجأ إلى بلدان أخرى لتحقيق رغبتها؟

+ إن القواعد الأمريكية لم تعد لها نفس الأهمية التي كانت في الماضي، فالولايات المتحدة باستطاعتها الآن أن تضرب إيران أو أي دولة انطلاقا من قواعدها. أعتقد أن قضية القواعد ليست بتلك الأهمية التي قد يتصورها البعض، وأستبعد أن دول المنطقة تتنافس من أجل كسب ود الولايات المتحدة أو لإعطائها تسهيلات معينة، وإن كنت أرى أن واشنطن ليست بحاجة إلى قواعد عسكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة.

- أشار "إيميريك شوبراد" إلى تحول جبهة البوليساريو من الفكر الماركسي إلى الأصولية، هل هذا ممكن؟

+ إن الذين يأتون بهذه الأسماء، يستعملونها في واقع الأمر لتسريب معلومات من هذا القبيل، وأنا شخصيا أقول للذين يسربون مثل هذه الأشياء أن يجتهدوا أكثر وأن يهتموا بالأمور الأكثر إقناعا، فالخلفية واضحة، وأظن أن الجهة التي تروج مثل هذه الأفكار هي المخابرات المغربية في محاولة لإقناع الأمريكيين والأوروبيين بأن البوليساريو بدأت تلعب، على كل حال، لعبة قذرة تهدد المصالح الأمريكية، وتهدد الأنظمة المعتدلة في المنطقة، ولا أعتقد أن هذا الكلام سيقنع أحدا، لا في الولايات المتحدة ولا في أوروبا.
والقول بأن هذا الموقع بشبكة الويب كشف كذا وكذا، فهو أسلوب تستعمله عدة أجهزة مخابراتية وأظن أن على أجهزتنا أن تتصرف بذكاء أكبر.

- هل هناك إمكانية التوصل قريبا إلى مفاوضات مع جبهة البوليساريو والمغرب في أفق التوافق من أجل حل مشكل الصحراء؟ وفي حالة عدم قبول الأمم المتحدة لمشروع الحكم الذاتي، كيف سيكون موقف المغرب؟

+ كان التفاوض سابقا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وجرى التفاوض في عهد جلالة الملك محمد السادس ولم يؤد إلى أية نتيجة، ولا أعتقد شخصيا بأن المقترح المغربي سيحظى بقبول القيادة الحالية للبوليساريو لأنها لا تملك من أمرها شيئا، والجزائر لن تقبل على الإطلاق أن تنهزم في صراعها مع المغرب في قضية الصحراء، المغرب استغل بشكل ذكي ما يتعلق بمقترحه الساعي إلى ما يسمى بالحكم الذاتي، وأعتقد أن الصراع سيستمر، لن تتنازل الجزائر ولن يتنازل المغرب، إنها مسألة وجود، مسألة كيانية، مسألة وجودية، وبالتالي فالصراع مرشح ليستمر لعقود وعقود، لا أعتقد أن أحد الطرفين سيتنازل، والصراع سيتسمر لأن الجيش الجزائري هو الذي يمسك الملف، وهو لم يترك خط رجعة، والمغرب كذلك لا يمكنه أن يتنازل بالرغم من مبادرته الأخيرة، وهي مبادرة ذكية، لكن الجزائر لن تقبل ولن تسلم بالأمر الواقع وستستمر في مساندة ما يسمى بالجمهورية الصحراوية.

- اعتبر محمد معتصم جبهة البوليساريو حزبا معارضا ويجب التفاوض معه، كيف تنظرون إلى هذا التصريح؟

+ أنا أهنئ السيد محمد معتصم على هذه اليقظة المتأخرة، لأنه قبل 25 سنة كان من يقول مثل هذا الكلام يحكم عليه بالمؤبد أو 30 سنة سجنا، فكثيرون قضوا سنوات في المعتقلات فقط لأنهم دعوا إلى تقرير المصير.
فجميل جدا أن يكون بعض المسؤولين المغاربة من الدوائر المقربة للقصر الملكي قد وصلوا إلى هذه القناعة، بأن الأمر يتعلق بجماعة مغربية معارضة لها قناعات، دفعتها في مرحلة معينة إلى التفكير في جعل الصحراء بؤرة ثورية لتغيير الأوضاع في المغرب، وأنه ينبغي التفاوض معهم لحل المشكل، وإذا استطعنا أن نتفاوض معهم وأن نصل إلى حل يحافظ على الوحدة الترابية للمغرب ويعطي لتلك المناطق الاستقلال الذاتي للحفاظ على خصوصياتها، أعتقد أن هذا الأمر إيجابي.

مصطفى ناعمي/ باحث عضو الكوركاس

البوليساريو أداة طيعة بيد الجزائر وليست على نسق القاعدة


بثباته المعهود ورزانة الباحث الذي لا يريد أن ينطق عن الهوى، استقبلنا مصطفى ناعمي بمكتبه للخوض معه في حديث بخصوص إشكالية إمكانية قيام روابط بين تنظيم بن لادن وجبهة البوليساريو وتطورات ملف الصحراء، وكانت الحصيلة كالتالي:

- أنتم كمتتبع للأوضاع بالصحراء وكمساير لتطور هذا الملف، هل تعتقدون أن المسار الحالي للتحولات داخل جبهة البوليساريو يمكنه أن يؤدي إلى بروز تيار أصولي، علما أن مرجعيتها الأصلية ماركسية لينينية؟

+ لا يخفى على أحد أن جبهة البوليساريو يمكنها أن تتفسخ إلى مجموعة من التيارات، وهذا التفسخ ربما، في حالة ما، إذا وصلت الأوضاع إلى مرحلة متقدمة نجح خلالها المغرب في عملية دمج أكبر عدد ممكن من ساكنة الصحراء في إ طار الاستقلالية الذاتية، ليس من المستبعد أن تتحرر بعض التيارات المنفصلة وغير المراقبة سواء منها ما يتميز بطابع متطرف ديني أو بطابع متطرف غير مراقب. والحالة هذه، المسؤولية تقع مباشرة على الجانب الجزائري، وأيضا على الدول المحيطة. وهذا يظل مجرد احتمال على اعتبار أنه لا يمكن أن نتنبأ بما سيقع مستقبلا.

- ظهر الإرهاب مؤخرا بالصحراء الكبرى، فما هي أبرز المؤشرات التي تدل على ذلك؟

+ أبرز المؤشرات واضحة في الصحراء الوسطى خاصة، لاسيما بخصوص المتاجرة في الأسلحة والمجموعات التي تزداد صعوبات مراقبتها، وهي مؤشرات تفيد ضرورة اللجوء إلى حلول تصحيحية وحلول هيكلية مستعجلة، وإلا، فمن طبيعة الحال، ليس من المستبعد أن تتطور هذه الظاهرة إلى ما هو أكبر.

- وماذا عن إمكانية التحالف بين البوليساريو والقاعدة؟

+ هذا أمر غير منطقي، لأن جبهة البوليساريو أداة في خدمة الدولة الجزائرية، إنها أداة طيعة بيد الجزائر، وهذه الأخيرة ليست على نسق القاعدة ولا يمكنها أن تتحالف معها، وكل تحالف بين البوليساريو والقاعدة من شأنه أن يضر مباشرة بموقع الجزائر على الساحة الدولية وفي كل ما يرتبط بقضية الصحراء، وكذلك بالأمن والسلم بالمنطقة.
هذا أمر مستبعد جدا، لأن هذا معناه أن الجزائر ستوفر آليات سوف تتجاوزها في فترة لاحقة وقريبة جدا.

- يبدو الآن أن مشروع الحكم الذاتي أخذ مساره، وكل جهة عبرت عن مواقفها بخصوصه، فإذا لم يحظ بالاتفاق والموافقة على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كيف سيكون رد الفعل المغربي؟

+ ليس المطلوب في واقع الأمر اتفاق أو إجماع حول هذا المشروع، والمغرب لا يطالب بهذا الأمر، وإنما يطالب بأن يقع الدخول في مسلسل هدفه هو الوصول إلى حل متفاوض عليه في إطار السيادة المغربية، حل يشمل فكرة الحكم الذاتي وبرنامج الحكم الذاتي.
الإجماع لا يمكن أن يتحقق من طرف هيئة الأمم المتحدة، فهي مجرد حكم، تسهل مأمورية التفاوض بين الأطراف، لهذا فليس من المتوقع إطلاقا أن يصل المنتظم الدولي في الوقت الراهن إلى أي إجماع بخصوص قضية الصحراء، هناك مراحل متطورة لاحقة ستأتي، قد تطول وقد لا تطول، الغرض منها هو فتح أبواب النقاش الممكن مع تيارات البوليساريو الممكنة ومع الجهات المعنية التي يمكنها أن تساهم، بشكل أو بآخر.

- هل يعني هذا أن وضعية "ستاتيكو" ستدوم مدة طويلة؟

+ قد تطول إلى حد ما، باعتبار أن السبب الذي يجعل الجزائر تقف نفس الموقف العدائي من المغرب يرجع، لا إلى اعتقادها بإمكانية خلق دولة مستقلة بالصحراء، ولكن لاعتقادها بأن الوضع الداخلي الجزائري لا يستحمل ولا يقبل الدخول في مرحلة حكم لا مركزي شبيه بالمغرب.
تعلمون أن مسألة الحكم الذاتي ذات تأثير على المنطقة بشكل واضح وجلي، ومن مضاعفات هذا التأثير "لقبايل" و"صطيف" و"مزاب" و"الطوارق".. وما يشبه ذلك، وهو ما تخشاه الجزائر ويجعلها تركز بشكل كبير على البوليساريو كوسيلة للضغط على المغرب لكي لا يدخل في هذا المسلسل.

- هل أنتم راضون ومرتاحون لنهج تدبير ملف الصحراء؟

+ وجب التمييز بين مستويين، فعلى المستوى الدولي، المغرب يتبنى فكرة الحكم الذاتي، من حيث هو كمبدأ، شيء إيجابي صحيح وغير مبالغ فيه، وهو حل بنيوي لابد منه، وهو ينهي مرحلة تاريخية مهمة لأنه يؤشر على نهاية الدولة الوطنية، ولأنه يطرح مشكل المتغيرات الهيكلية التي يجب أن ترقى إليها الدولة مستقبلا، وهذا شيء إيجابي جدا، وهي معالجة توحي بما يمكن أن نتنبأ به خلال الحقب القادمة.
وعلى مستوى التسيير الداخلي لم يتغير أي شيء، إلى حد الساعة ما تزال الأمور كما هي عليه وهي في أمس الحاجة إلى التغيير الهيكلي.

- هل بروز الإرهاب في جنوب الصحراء قد يكون له تأثير سلبي على المنطقة، علما أن حالة "ستاتيكو" قد تطول؟

+ الإجابة على هذا السؤال صعبة بمكان، لكن سيكون من العسير جدا على البوليساريو أن تحمل السلاح، لأنها إن فعلت ستخرق المواثيق الدولية وستظهر بمظهر الارتزاق السياسي والإرهاب، بل ممارسة الإرهاب بصورة علنية، هذا ما لن يقبل به الرأي العام العالمي ولا المنتظم الدولي، لذا فهذه مسألة مستبعدة، غير أن الجزائر لم ولن تسمح بذلك، فيما عدا هذا، التطورات التي يمكنها أن تقع خارج إرادة البوليساريو ناتجة ربما عن تفتت هذه الجبهة، وهذا ما لا يمكن أن نتنبأ به في الوقت الراهن.

- اعتبارا لدور الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة وموقفها مما يجري سواء في جنوب الصحراء أو في الساحل، واستراتيجيتها بالنسبة لشمال إفريقيا، هل يمكن القول إنها هي التي وراء الحديث حول الإرهاب وتداعياته بالمنطقة؟

+ لا شك أن دور الولايات المتحدة ليس دورا إيجابيا، لأنها بالغت جدا في البداية وضغطت لدرجة أن التطورات عرفت لاحقا ظاهرة الإرهاب في الصحراء الكبرى، وأصبح من المطلوب الآن أن تواجه بنوع من الصرامة والجدية، وهذه الصرامة لا يمكنها أن تتأتى من منظور أمني، يجب أن يتم التعامل مع البنيات والهياكل السياسية في الصحراء، وذلك عبر تسهيل عملية مرور البضائع والمجموعات البشرية على امتداد الحدود الجزائرية وفي الصحراء الكبرى، وخاصة ما ارتبط بها من المجموعات البشرية المتواجدة هناك منذ قرون، والتي اعتادت تبني نمط العيش الترحالي بالمعنى الواسع، هذه المجموعات لا يمكن أن تقبل بمفهوم الحدود التي وفرتها نماذج الدول الوطنية الجديدة، ولا يمكن في جميع الحالات أن تقبل بما هو مفروض في الوقت الراهن بمقتضى ضغوطات سياسوية وهواجس أمنية، لابد من معالجة هذا الأمر باستراتيجيات تجمع محيط هذه الدول في إطار تحالفات ومؤتمرات واتفاقيات وبرامج للتواصل لمحو انعكاسات التخلف الاقتصادي والثقافي.

- كيف تفسرون تلكؤ الموقف الأمريكي بخصوص هذه القضية؟

+ إن الموقف الأمريكي بخصوص قضية الصحراء لا يرقى إلى مستوى ما يمكن أن نسميه بالاستعجالي، وهذا لا يضر أمريكا في شيء، علاوة على أنها تستفيد من الخلاف بخصوص الصحراء استفادة فعلية، على مستوى فرض نوع من الضغوطات وموازين القوة على الدول المعنية بهذا الخلاف، سواء منها المغرب أو الجزائر، كما تستفيد عمليا من حيث قدرتها على التغلغل وفرض كل الشروط الممكنة الأمنية في المنطقة، وأيضا بخصوص محاولة المراقبة الفعلية للمنطقة من الناحية الإستراتيجية ككل. فأمريكا ليست لها ضوابط تجارية واقتصادية عاجلة، ما عدا قضية النفط والغاز والتي تضبط خيوطها، إن أمريكا ترى أنه بإمكانها مواصلة التعامل مع طرفي النزاع بشكل مرن.

- هل يمكن انتظار حدوث تدخل أمريكي في المنطقة؟

+ لا أرى مبررا لذلك، فليست هناك حرب، الجزائر لا تسمح للبوليساريو بحمل السلاح، والمغرب على يقين بأن أي محاولة عسكرية من طرف البوليساريو هي بمثابة نهاية، باعتبار أنه سيدخل إلى ميدان الإرهاب بشكل مباشر وسيتحدى القوانين الدولية ومقررات الأمم المتحدة، فهذا مؤكد.
أما بخصوص إحداث قاعدة أمريكية بالمغرب، فإن وقع هذا فعلا، فستأتي هذه القاعدة من حيث هي أداة لتمتين الروابط بين الدولة المغربية والدولة الأمريكية، وربما أيضا لتكثيف قدرة المراقبة الأمريكية على المنطقة، هذا معناه تشبث المغرب بتحالفه مع الولايات المتحدة، وهو أمر يبدو استراتيجيا في مصلحة المغرب، ولكنه عمليا ليس بالضرورة شيئا إيجابيا لأننا لسنا في حاجة إلى تحالف من هذا النوع لكي ندافع عن موقف المغرب في كل ما يرتبط بقضية الصحراء، سوف يكون هذا الأمر زائدا على ما هو واجب.


مصطفى عنترة/ باحث
جرائم تهريب السلاح والبشر تتقاطع مع جرائم الإرهاب

يقر مصطفى عنترة، الباحث بجامعة الحسن الثاني عين الشق، بأن تنظيم بن لادن في سيرورة محاولتها تدويل حربها على "الشيطان الأكبر"، اتجهت إلى شمال إفريقيا مستغلة قاعدة بشرية مهيأة لتبني مشاريعها الظلامية، أجرينا معه الحوار التالي حول إمكانية وجود روابط بين القاعدة والبوليساريو.

ـ كيف تقرأون بروز الأعمال الموصوفة بـ "الإرهابية" بمنطقة شمال إفريقيا وجنوب الصحراء؟

+ بداية يجب التأكيد أن توالي الهزائم التي تشهدها إدارة بوش في "العراق المحتل"، خاصة وأن مشروع دمقرطـة هذا البلد يظهر أنه لا زال بعيد المنال، كما أن الدعم الذي مازالت تحظى به إسرائيل من قبل "البيت الأبيض" ضدا على الشرعية الدولية، فضلا عن مواقف بوش من بعض القضايا الدولية، كفضيحة سجن أبو غريب وطريقة التعامل مع صدام حسين وغيره من قادة نظام البعث البائد وما خلفته من غضب شديد، زاد في تسويـد صورة الأمريكان في المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، ناهيك عن تشجيع التيارات العنصرية المتطرفة في أوروبا التي اجتهدت كثيرا في جعل الإرهاب مرادفا للإسلام ..إلخ. هذه العوامل وغيرها تلعب دورا في خلق مناخ دولي يساعد التيارات المتطرفة الإرهابية كتنظيم "القاعـدة" في التغلغل أكثر داخل العديد من المواقع الجغرافية، وتنفيذ مخططاتها لضرب المصالح الغربية.
فـ"القاعدة" تحاول تدويل حربها على "الشيطان الأكبر" في كل المواقع، وقد اتجهت إلى منطقة شمال إفريقيا نظرا لوجود مصالح غربية هامة وحساسة، ووجود قاعدة بشرية مهيأة لتبني أفكارها ومشاريعها الظلاميـة، إضافة إلى إعلان بعض الأنظمة في المنطقة انخراطها الواضح في الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، والأهم في ذلك أن تضاريس الصحراء الكبرى تساعد هذه الجهات على تنفيذ مشاريعها ومخططاتها.
كما أن الخلافات الضيقة التي تتحكم في العلاقة بين أنظمة( وليس شعوب) ما يسمى بـ" اتحاد المغرب العربي" تلعب دورا سلبيا في عدم تطوير التنسيق الأمني والإستخباراتـي وتبادل المعلومات، وفي تعطيل التنمية والديمقراطية داخل هذه المنطقة. وهذا ما يجعل القوى الغربية تطالب البلدان المغاربية بإقامة تكتل أو قطب سياسي واقتصادي قوي لمواجهة التحديات التي بات يفرضها الإرهاب العالمي. هذا التكتل الذي أضحى مطلبا لهذه القوى بعدما كانت، بالأمس القريب، لا تتحمس له.

ـ هل هناك تواجد لتنظيم "القاعدة" بمنطقة شمال إفريقيا؟ وما هي طبيعة الأهداف التي تسعى لتحقيقها؟

+ العديد من المؤشرات، تفيد أن تنظيم "القاعدة" نقل جزءا من معركته إلى منطقة شمال إفريقيا، مؤسسا بذلك تنظيما تابعا له على شاكلة "القاعـدة في بلاد الرافدين" من أجل ضرب المصالح الغربية هناك، وكذا توسيع دائرة استقطاباته والهروب من الخناق الذي يعيشه في العراق نظرا للإنزال العسكري والأمني والاستخباراتي القوي للأمريكان وبريطانيا.
فقد لجأ تنظيم "القـاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى الصحراء الكبرى كقاعدة له نظرا لطبيعة مسالكها الوعرة وتضاريسها الصعبة.. وهو الأمر الذي انتبهت له القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعلها تفكر في توظيف مجموعات الطوارق من أجل محاصرة أتباع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري على اعتبار أن الطوارقيين هم من يعرف جيدا منطقة الصحراء الكبرى. وقد حاول القذافي تنفيذ هذه الإستراتيجية من خلال تقربه من الطوارق أملا في إرضاء "البيت الأبيض"، لكن حسب ما يظهر أن الجزائر هي التي نجحت في مد الجسور مع الطوارقيين الذي أبدوا ثقتهم في نظام بوتفليقة وليس القذافي.
وتجدر الإشارة هنا أن التقارير الأمريكية تفيد أن "البيت الأبيض" يتابع بشكل دقيق حركات الطوارق، حيث نجده (أي البيت الأبيض) يطالب هذه الحركات المعارضة بعدم التعاطف مع الجماعات الإسلامية المسلحة، شريطة مساعدتهم على حل المشاكل التي تجمعهم ببعض البلدان الإفريقية، وتوفير الشروط الملائمة لتنمية منطقة الصحراء الكبرى.

ـ قيل إن هناك علاقات بين تنظيم "القاعدة" وجبهة البوليساريو، فما قولكم؟

+ أستبعد أي تقارب بين تنظيم "القاعدة" وجبهة البوليساريو لاعتبارات متعددة:
أولها أن المجتمع الدولي يشهد إجماعا حول قضية التصدي لإرهاب الموالين لأسامة بن لادن؛
ثانيها أن الجزائر لازالت متمادية في حربها الشرسة على الجماعات الإسلامية المسلحة، وبالتالي لا يمكن أن تترك جبهة البوليساريو تربط علاقات مع تنظيم "القاعدة"؛
ثالثها أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بشمال إفريقيا، يجعلها ترصد كل صغيرة وكبيرة بالمنطقة، مما يصعب أي تقارب قد يحصل بين البوليساريو و"القاعدة".
فالحديث عن العلاقة بين الاثنين لم نسمعها إلا من طرف بعض الأوساط الإعلامية والسياسية المعروفة ببلادنا، وهو كلام لا يقبله العقل ولا المنطق.
صحيح، أن هناك تقاطعات بين مختلف الجرائم المنظمة. فجرائم تجارة الأسلحة والمخدرات والبشر.. والتهريب وتزوير العملات.. تتقاطع فعليا مع جرائم الإرهاب، بل الأكثر من هذا وذاك أن أموال بعض الجماعات الإسلامية الإرهابية تأتي عبر مثل هذه القنوات..، لكن هذا لا يعني بالنسبة لنا وجود علاقة بين البوليساريو وأتباع أيمن الظواهري.

ـ لكن الصحفية الفرنسية "آرييل تيديل" وغيرها أشارت إلى وجود علاقة بين جبهة البوليساريو وتنظيم "القاعدة"، فهل هو مجرد اختلاق أم أن هناك فعلا تقارير أشارت لذلك؟

+ يجب أن نعلم أن كل الأساليب ممكنة في المعركة الجارية بين المغرب وجبهة البوليساريو (المدعمة من قبل الجارة الجزائر). العديد من الأقلام الصحفية الفرنسية والإسبانية، دون أن أذكر لك بعض الأسماء المعروفة منها، سخرت ولا تزال، سواء في قضايا محلية أو إقليمية. ولعل الرأي العام الوطني والإقليمي يعرف جيدا هذه الأمور، كما أنه أصبح قادرا على التمييز بين الصالح والطالح.
ما نأسف له هو أن إستراتيجية التواصل التي سطرها النظام السياسي بالمغرب لتدبير ملف الصحراء لم تكن ناجعة، إذ كانت دائما محل انتقاد من طرف الحركة الديمقراطية، لأن الرأي الواحد هو السائد، ولم يكن يسمح بأي اجتهاد أو تعدد في هذا المجال نظرا لكون قضية الصحراء ارتبطت بجوهر شرعية الحكم.
ولا زال هذا النقص في إستراتيجية التواصل مستمرا إلى يومنا هذا، ولعل كلام عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، في أسبوعية "الأيام" بكونه لم يعلم بالوفد( ياسين المنصوري، فؤاد عالي الهمة، الفاسي الفهري وشكيب بنموسى) الذي كلف بشرح محتويات مقترح "الحكم الذاتي" لرؤساء بعض الدول والحكومات إلا عبر الصحافة، يؤكد وجود هذا النقص. مع الإشارة في هذا السياق إلى أن ردود الفعل السلبية التي خلفها تصريح الفاسي، وزير الدولة والطامح إلى تولي منصب الوزير الأول في حكومة ما بعد انتخابات شتنبـر 2007، دفعته كعادته إلى نفـي ما صرح به؟!
فالدولة اختارت التواصل مع الخارج، في حين همشـت الرأي العام الوطني، رغم أنها ترفع شعار تقوية الجبهة الداخلية وتؤكد أن أي قرار بشأن قضية الصحراء لا يمكن اتخاذه إلا بالرجوع إلى الشعب.

ـ هل بإمكان "القاعدة" اختراق جبهة البوليساريو والتواجد في صفوف سكان المخيمات اعتبارا للأوضاع التي تسود المنطقة؟

+ لا أعتقد، لأن المخابرات العسكرية في الجزائر لا يمكن أن تغيب عنها مثل هذه المعطيات. فهي تراقب وتتحكم في أوضاع البوليساريو، أكثر من ذلك أن مسؤولي هذا الأخير لا يمكنهم أن يتخذوا أي قرار بدون الاستشارة مع الجزائر التي تمدهم بالدعم المادي والعسكري واللوجيستيكي والديبلوماسي..، وكل من عارض أو خالف في الرأي المسؤولين الجزائريين فمصيره الهلاك.
إن الكلام الذي تروجه بعض الأوساط داخل المغرب حول وجود علاقة بين البوليساريو وتنظيم "القاعدة"، لا يخدم إلا الإدارة الأمريكية في استراتيجيتها للهيمنة داخل منطقة شمال إفريقيا، إذ سيمنحها شرعية التوغل أكثر داخل هذه المنطقة من خلال بناء قواعد عسكرية وغير ذلك تحت ذريعة حماية شعوب المنطقة من خطر الإرهاب والإرهابيين.

ـ مع تصاعد ما ينعت بالأعمال الإرهابية بشمال إفريقيا، هل احتمال التدخل الأمريكي وارد؟

+ بكل تأكيد التدخل الأمريكي موجود، لكن تنامي الأعمال الإرهابية في المنطقة سيمنح، كما أشرت، فرصة أكبر لهذا التدخل خاصة مع ضعف إمكانيات بعض الدول لمواجهة خطر الإرهاب، مع العلم أننا نسمع، اليوم، أخبارا تفيد رغبة الإدارة الأمريكية لبناء قواعد عسكرية بالمغرب والجزائر..، هذا دون أن ننسى مسلسل الاستنطاقات الذي كانت تقوم به المخابرات الأمريكية داخل تراب المملكة في حق بعض معتقلي سجن "غوانتـانامو".. وغير ذلك من الوقائع التي تؤكد بالملموس الوجود الأمريكي.
فمشروع "الشرق الأوسط الكبير" أو "الجديد" الذي يشمل المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، يؤطر ثقافيا وسياسيا واقتصاديا لهيمنة "الإمبراطورية الجديدة" على المنطقة بأكملها.
ويجب أن نعرف أنه ليس هناك إرهاب الجماعات الإسلامية لوحده بمنطقة شمال إفريقيا، بل حتى إرهاب بعض الحكام والأنظمة وعنف أجهزتها، وما صرح به مؤخرا العقيد معمر القذافي في خطاب تلفزي في حق أمازيغ ليبيا ودعوته لسحقهم يعد إرهابا، يجب على المجتمع الدولي استنكاره والتصدي له ومحاربته بقوة لأنه يشكل إرهابا ليس في ليبيا بل داخل منطقة شمال إفريقيا بأكملها.

ـ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه كل من الجزائر والمغرب في إطار الإستراتيجية الأمريكية بشمال إفريقيا لاسيما في إطار تفعيل القيادة العسكرية بإفريقيا؟

+ لقد دخل المغرب والجزائر في سباق من أجل التقرب أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي قيادة مخططاتها في شمال إفريقيا. فكل نظام يسعى جاهدا للحصول على ثقة الأمريكان من أجل نيل شهادة حسن السلوك والسيرة من طرف الإدارة الأمريكيةّّّ! في حين كنا ننتظر من النظامين(الجزائر والمغرب) الدخول في سباق من نوع آخر، أي سباق الدمقرطة واحترام حقوق الإنسان والتنمية والانتقال من دولة الأشخاص إلى دولة المؤسسات وترسيخ المواطنة المشتركة...

أحمد رامي
روابط القاعدة والبوليساريو مجرد أكذوبة

في دردشة مع أحمد رامي المقيم بالديار السويدية، طرحنا عليه أسئلة بخصوص احتمال وجود علاقات بين تنظيم القاعدة وجبهة البوليساريو وإمكانية اختراق تنظيم بن لادن الصحراويين ومخيمات الحمادة، نجمل إجاباته فيما يلي:
يرى أحمد رامي أن جبهة البوليساريو لا وجود لها، لا من حيث النشأة ولا من حيث الأهداف، كحركة مستقلة، فما هي إلا جماعة من ممتهني "العهارة السياسية"، وما هي إلا أداة من خلق النظام الجزائري، ويقول أحمد رامي.. في سنة 1976 استدعاني الرئيس الجزائري آنذاك، الهواري بومدين، واقترح علي القيادة العسكرية لجبهة البوليساريو ويضيف.. كان جوابي، لو كنت أرغب في العمل لصالح نظام لما شاركت في انقلاب وغادرت بلادي.. لم يكن بإمكاني الانخراط في لعبة فبركها نظام يتعامل مع كركوزة إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية والمكلفة حاليا بمحاربة ما يسمى "الإرهاب".
وفي هذا الصدد يؤكد أحمد رامي، أن إسرائيل بمقدروها اختراق أية منظمة وأية جماعة لتفعيل المزيد من تشتيت الأمة الإسلامية، ويظل أحسن سبيل لتمكين بلادنا من مناعة خاصة لمواجهة الأخطار، هو الإقرار بديمقراطية فعلية وحرية التعبير للجميع.
أما بخصوص تنظيم القاعدة، يقول أحمد رامي إن هذا التنظيم بالصورة التي يعرضها الإعلام الغربي، لاسيما الموالي للكيان الصهيوني، كتنظيم وهيكلة لا وجود له.. وبالتالي أية جهة الآن يمكنها تلفيق أي تهمة للقاعدة، ويعتبر اختراق أو ارتباط القاعدة بجبهة البوليساريو أكذوبة، باعتبار أن هذه الأخيرة قائمة على مرتزقة، والمرتزق عبد مأمور لمن يشغله أو يحميه، وبالتالي مثل هذه الأفكار لا يمكن أن يكون مصدرها إلا جهتين لا ثاني لهما: المخابرات المغربية أو الموساد.

أبي بشراي/ مسؤول صحراوي
تقرير المصير حتمية آتية لا محالة والموقف المغربي قد يؤجلها

لتمكين القارئ من الإطلاع على اختلاف الرأي بخصوص إشكالية "روابط البوليساريو بالقاعدة، موجودة أو غير موجودة"، نعرض فحوى حديث في الموضوع مع أحد المسؤولين في صفوف جبهة البوليساريو والعاملين في القطاع الديبلوماسي، وهو أيضا مكلف بالدفاع عن موقف الجبهة دوليا بخصوص قضية الصحراء.


- ما هي تأثيرات بروز الإرهاب على حل ملف الصحراء؟

+ اسمح لي، قبل الإجابة عن السؤال، أن أعلق على عنوان الملف الذي أنتم بصدد إعداده "تأثيرات بروز الإرهاب على حل ملف الصحراء"، وهو عنوان ينطوي على وصف غير دقيق وأيضا على مغالطة ضمنية بهذا الربط القاتل بين قضيتين لا علاقة لأي منهما بالأخرى إلا في عقول الذين امتهنوا الصيد في المياه العكرة واختراع الفزاعات لتبرير الاستمرار في إنكار حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
أما الوصف غير الدقيق فهو مصطلح "بروز الإرهاب" مع الإشارة إلى حادث انفجار مقهى انترنت الدار البيضاء، في حين تشير جميع التقارير إلى أن الظاهرة في تراجع مستمر في شمال إفريقيا، أساسا بسبب صمود واستماتة بلد مجاور للمغرب، ظل يدير معركته مع الظاهرة سنوات عديدة لوحده حتى انتصر في النهاية، وأنصفه التاريخ حين كان يردد طيلة سنوات المعاناة "على الأشقاء أن لا يبصقوا في البئر التي نشرب منها جميعا".
أما المغالطة الضمنية والربط القاتل فهو المُتعلق بهذا الربط الافتراضي لتأثيرات الإرهاب على حل النزاع المغربي الصحراوي. والواقع أن لا علاقة بين الموضوعين إلا بما يدور في مخيلة بعض المسؤولين الذين لا يترددون في ارتكاب نفس أخطاء الماضي.
النزاع حول الصحراء، ونحن لن نتعب من تكرار ذلك، نزاع تصفية استعمار موجود، على أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة سنويا، الذي يتدارسه مجلس الأمن الدولي دوريا، والمنظمة الدولية لديها بعثة في الإقليم منذ سنة 1991 تقوم بمهمة واضحة جدا اسمها "بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية".
أما عن سؤالكم، فإن الصحراويين يتألمون لكل مصاب يحل بالشعب المغربي. كرم أنفسنا لا يسمح لنا بالتشفي في الأشقاء، لأننا لا نريد ارتكاب حماقة "شتم التاريخ"، فنحن نعرف أن منطق الجوار والتعايش السلمي سوف ينتصر في النهاية على منطق دق طبول الحرب والشوفينية التي طالما اقتاتت من الأبرياء.
ولكن، بعيدا عن صفتي الرسمية، وبصفتي ملاحظا محايدا لحوادث تفجيرات الدار البيضاء الأول والثاني، فإنه لا يسعني إلا أن أنبه للانعكاسات الوخيمة لأطروحة "امتداد تأثير الإرهاب إلى الصحراء وجبهة البوليساريو". بينما يؤكد أكثر من مسؤول أن "التفجيرات منتوج مغربي صرف، ليس لديه أي ارتباط عضوي بأية شبكات خارجية". وواقع الحال، بالنسبة لأي مراقب مُحايد، إن الظاهرة، ضمن السياق المغربي، تتركز في كونها نتاج اختلالات اجتماعية واقتصادية كبيرة، يمكن ملاحظتها في الأحياء الفقيرة، أكثر منها انتماء لشبكات دولية وتنفيذا لتعليماتها.
مرة أخرى ينبغي أن نتفق على وصف الحالة في المنطقة. فنحن، مثل كل المهتمين بالشأن، نرى تراجعا منذ سنوات، ولا نرى بروزا لها. وعموما فشمال إفريقيا ليس استثناء من العالم الذي يتضرر من الظاهرة، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. ولكن الاستثناء في المنطقة، هو هذا المسعى اللامسؤول واللعب بالنار الذي يقوم به بعض الرسميين، من أجل استغلال الغبار المنبعث ضمن معركة المجتمع الدولي ضد الظاهرة للتأثير على كفاح عادل من أجل حق تكفله جميع شرائع العالم ألا وهو حق تقرير المصير.

- هل هناك تواجد لتنظيم القاعدة بالمنطقة؟

+ هذا السؤال ينبغي توجيهه لأيمن الظواهري، وإذا لم يتسن لكم ذلك، أولا إن لأصحاب هذا الطرح إجابة جاهزة عن هذا السؤال، بالنيابة عنه.
ولكن ما أستطيع أن أؤكده هنا، هو أن ليس هناك تواجد للقاعدة ولا لأية تنظيمات أخرى في صفوف الصحراويين ولا في المنطقة التي تسيطر عليها البوليساريو، والتاريخ وحده هو الذي سيحكم بالصدق من عدمه بين ما تقوله البولسياريو كحركة، وبين ما يردده أصحاب هذه الأطروحة.

- قيل إن هناك علاقات بين "القاعدة" والبوليساريو، كيف تعلقون على هذا القول؟

+ المسألة بكل بساطة لا تعدو أن تكون استمرارا لإحدى النظريات الإعلامية التاريخية القاتلة التي كانت مُحددة للتعامل مع النزاع على الصحراء الغربية، منذ سنة 1975، بالرغم من إقالة وزير جعل من ملف الصحراء شماعة جميع أخطاء الماضي، دون البحث عن مشجب لأخطاء الحاضر.
وهذه نظرية سبق أن عرفها التاريخ، والتي ترى أنه "يكفي تكرار كذبة عشر مرات حتى تتحول إلى حقيقة".
الآن، ضمن أجواء الخوف والانشغال التي تلف جميع أنحاء العالم على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر وما تلا ذلك من حروب، يبدو لي أنه تجري عملية تسويق لعلاقة مُختلقة بين حركة البوليساريو و"القاعدة"، من أجل التأثير على صرح الانطباع الدولي. باعتبار أن جبهة البوليساريو تنبذ اللجوء للإرهاب أو الابتزاز أو العمل المسلح ضد المدنيين. وهي صورة عصية على التشويه، هي ما أقر بها الوسيط الأممي السابق، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق السيد جيمس بيكر في مذكراته الصادرة مطلع هذا العام.
منذ الأيام الأولى لأحداث 11 سبتمبر، تردد الزعم بأن أسامة بن لادن كان في ضيافة البوليساريو في مخيمات اللاجئين صيف2001، كنت حينها ممثلا للجبهة في هولندا، واضطررت لكتابة رد رسمي للحياة اللندنية حول الموضوع.
المسألة بكل بساطة، لا تعدو أن تكون سوى وجها آخر من وجوه الدعاية الرسمية الهادفة إلى المساس بسمعة ومصادقة البوليساريو.
فمن سنة 1975 إلى غاية 1979 ضمن سياق الحرب الباردة والرغبة في استمالة المعسكر الغربي تم تصوير البوليساريو كحركة ماركيسة ـ لينينية وفلولا من الفيتناميين والكوبيين، آنذاك طرحت ضرورة إيقاف الزحف الأحمر.
في مرحلة لاحقة قصيرة، وفي غمرة انتصار الثورة الإسلامية في إيران وما واكبها من تشنج دولي على خلفية أزمة الرهائن الأمريكيين وما تلا ذلك من اعتراف إيران (بالجمهورية الصحراوية)، برزت أطروحة جديدة من سنة 1979 إلى منتصف الثمانينات، في اتهام حركة التحرير الصحراوية بكونها امتدادا محليا للثورة الإيرانية، لتسقط المطرقة والمنجل الشيوعيين من أيدي البوليساريو وتحل محلهما مسبحة أصفهانية متشددة، دون الإحساس بحرج التناقض المُضحك.
"المرحلة الخمينية" في رحلة البوليساريو من لبوس الدعاية لن تدوم كثيرا، فعند بداية تصدع جدار المعسكر الاشتراكي وانهياره (1987 إلى غاية 2001)، وأمام نشوة انتصار الغرب تمت إعادة البعد الشيوعي لصورة البوليساريو والمُجاهرة في كل مكان بأن البوليساريو المعقل الوحيد الباقي للشيوعية في المنطقة، وينبغي الإجهاز عليها.
لكن المفارقة الكبرى هي المتعلقة بالسياق الدولي الحالي، فالذين وضعوا على البوليساريو قبعة تشي غيفارا سنوات طويلة لم يجدوا حرجا في استبدالها بعمامة بن لادن، ضمن سياق الحرب على الإرهاب، حتى أن البعض زعم أن بن لادن كان قد تردد على المخيمات مرارا. وفي اعتقادي وجب ربط الترويج لهذه الأطروحة بالتحركات العاملة وسط الصحراويين والتي أصبحت تثير انتباه وإعجاب العالم يوما بعد الآخر، باعتبارها نضالا سلميا راقيا في التعبير عن رفض واقع الاحتلال.
إذا، المسألة تندرج في هذا الإطار. وفي الحقيقة فان هذا الربط، كما ترى الكثير من الأطراف الدولية، قد تحول إلى نكتة سمجة، لم تعد تروق لأحد على الإطلاق.

- هل بإمكان تنظيم القاعدة اختراق جبهة البوليساريو والتواجد في صفوف سكان المخيمات اعتبارا للأوضاع التي تسود المنطقة؟ وهل هناك تواجد للفكر "الجهادي" كما تراه القاعدة في صفوف الصحراويين؟

+ طبيعة المجتمع الصحراوي وفهمه المتسامح للدين انطلاقا من خلفيته البدوية يجعله محصنا بشكل مسبق ضد التيارات الدينية المتطرفة. البوليساريو كحركة وطنية للتحرير، كانت واعية ومنسجمة منذ البداية مع تلك الطبيعة، وبالتالي فان المشكل غير مطروح على الإطلاق.
المخيمات، قلنا وسوف نقول دائما، إنها مفتوحة للعالم بأسره، وتستقبل عشرات الطائرات الخاصة القادمة من أوروبا بالإضافة إلى مئات الصحفيين ومكاتب المنظمات الدولية. والانطباع السائد لدى الجميع هو التسامح والكرم وطبيعة الإنسان الصحراوي التي تحترم الآخر وديانته ولا تجعل من الفرق في المعتقد إشكالية في العلاقة مع الآخر.
في صفوف الصحراويين لن يكون هناك من توجه سوى التوجه التحرري الذي يصبو الى تمكين الصحراويين من حريتهم، وكفى!

- "آيميريك شوبراد"، أشار إلى سيرورة تحويل جبهة البوليساريو من الفكر الماركسي إلى الأصولية هل هذا حصل فعلا؟

+ ينبغي أن يخجل المرء من استخدام اسم كأيمريك شوبراد لحمل هذه الدعاية المغرضة. فالرجل أستاذ فاشل في "السوربون" يدعي رئاسة معهد للجيوبوليتيك لا وجود له، من المقربين من زعيم أقصى اليمين الفرنسي "فيليي"، وسمعته سيئة في الأوساط الأكاديمية الفرنسية.
ونحن نعرف جيدا أن القائمين على تصريف هذه الحملة قد حاولوا مع مثقفين كبار آخرين آثروا الحفاظ على نظافة أسمائهم، ولم يرضوا بلعب الدور إلا شوبراد، وكلود مونيكيه.

- هل هناك إمكانية التوصل إلى مفاوضات قريبا بين جبهة البوليساريو والمغرب في أفق التوافق على حل مشكل الصحراء؟ وفي حالة قبول الأمم المتحدة لمشروع الحكم الذاتي، كيف سيكون موقف الجبهة؟

+ كما قلنا في مناسبات سابقة، اسمح لي أن أكرر لكم أن الحوار والتفاوض لا يشكلان قيمة في حد ذاتهما، وإن قيمتهما تتحدد من مساهمتهما في التغلب على الصعاب والدفع بالأمور إلى الأمام.
للأسف الشديد، ومنذ سنوات، يتملّكنا في البوليساريو شعور مزمن ب"عدم الثقة" في جدوائية أي حوار أو تفاوض مع المغرب. فكلما ذهبنا إلى مفاوضات سرية أو علنية، منذ مفاوضات باماكو 1978 الى اتفاقيات هيوستن 1997، شعرنا بالتنصل لما تم الاتفاق عليه في 1978 وفي 1983، مرة أخرى بسبب قراءة مبالغ فيها لتأثير تراجع الدعم الليبي بعد توقيع الجماهيرية على اتفاقية الوحدة مع المغرب في ماي من العام الموالي 1989، أيضا بسبب تقييم ناقص لمعلومات عن أوضاع الجبهة الداخلية.... وأخيرا سنة 2000، مع رفض المضي قدما في تطبيق المراحل اللاحقة من محتوى اتفاقيات هيوستن التي كان الطرفان قد وقعا عليها سبتمبر 1997.
وحتى تعرفوا حجم خيبة أمل البوليساريو في قدرة المغرب على الإيفاء بالتزاماته الدولية، سوف أحيلكم على مضمون خطاب الملك الراحل الحسن الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر 1983، حين قال: "إن المغرب يقول لكم إنه يريد الاستفتاء، وإنه مستعد لأن يتم تنظيمه غدا إذا أردتم. وأن المغرب ليؤكد لكم أنه مستعد لتسهيل دخول المراقبين الدوليين، مستعد لوقف إطلاق النار ولتنظيم استفتاء حر وعادل، وأنه ملتزم باحترام نتائج ذلك الاستفتاء".
الآن هناك حقيقة مؤسفة واحدة ماثلة للعيان لدى الجميع وهي أن المغرب، بعد كل ذلك، يؤكد منذ السنوات الأخيرة، أنه لن يكون هناك استفتاء على الإطلاق.
ومقترح الحكم الذاتي، هو مقترح أحادي الجانب، ومبادرة غير مطلوبة من المغرب أصلا، فمجلس الأمن الدولي لم يطلب من أي من الطرفين تقديم أي مقترح بديل، ليس من المعقول أن يقوم المغرب بإقرار سقف الحل، ومع ذلك يدعو الطرف الآخر للتفاوض. في أي إطار إذن، سوف تجري عملية التفاوض تلك؟
منهجيا، لا بد في البداية من تحديد إطار التفاوض، والذي لا يمكن أن يخرج عن إطار القانون والشرعية الدولية. في البوليساريو، نعي تمام الوعي أن تفاوضا خارج الإطار القانوني المتفق عليه مسبقا، يشكل مقدمة للإجهاز على مكسب الصحراويين التاريخي والمتعلق بحق تقرير المصير عبر استفتاء ديمقراطي، وهي خطوة لن نخوضها، لا اليوم، ولا غدا ولا بعد غد.
أما فيما يتعلق بالأمم المتحدة، فإنني أستطيع التأكيد أن المنظمة الدولية لا تستطيع قبول مقترح من هذا النوع، لأنها بذلك تتبنى ما هو مناف لسبب وجودها أصلا، ألا وهو تسوية النزاعات سلميا ضمن إطار الشرعية والقانون الدولي. والمتتبع لردود الفعل الدولية على "الخطوط العريضة" للمقترح المغربي في العواصم الكبرى، لا يجد صعوبة في معرفة أن الأمر لا يُقنع أحدا.
تقرير المصير حتمية آتية لا محالة، والموقف المغربي الحالي قد يؤجل تلك الحتمية لكنه لن يمنع حصولها على الإطلاق. ما زلنا، في البوليساريو، نعتقد أن ثمة فرصة تاريخية لتمكين الصحراويين من التقرير في مصيرهم وترك الطريق سالكة أمام الاختيار الديمقراطي الحر للصحراويين لاختيار مستقبلهم. وبغض النظر عن نتيجة ذلك الاختيار، فان الرابح الوحيد هي الأجيال القادمة التي لا نتمنى لها أن تعيش تجربة التقاتل واللجوء والمعاناة مع السجون التي عانينا منها خلال العقود الماضية.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمة عربية وقمة تردي الأوضاع
- كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الأولى
- كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثانية
- كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثالثة
- من معضلات البرلمان المغربي
- تدبير الأزمات المركبة فن لا يتقنه الجميع
- ماذا عساي أقول ..؟
- عودة الإرهاب إلى المغرب
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الأولى
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثانية
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثالثة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الرابعة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الخامسة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة السادسة
- مسارات الكتابة الروائية في تجربة عزت القمحاوي
- التصدي للإرهاب يستوجب فعلا الشمولية
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 1/3
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 2/3
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 3/3
- جمهوريو المملكة 1/4


المزيد.....




- تربية أخطبوط أليف بمنزل عائلة تتحول إلى مفاجأة لم يتوقعها أح ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا أنها لن تغزو رفح إلا بعد هذه ا ...
- فاغنر بعد 7 أشهر من مقتل بريغوجين.. 4 مجموعات تحت سيطرة الكر ...
- وزير الخارجية الفرنسي من بيروت: نرفض السيناريو الأسوأ في لبن ...
- شاهد: أشباح الفاشية تعود إلى إيطاليا.. مسيرة في الذكرى الـ 7 ...
- وفد سياحي سعودي وبحريني يصل في أول رحلة سياحية إلى مدينة سوت ...
- -حماس- تنفي ما ورد في تقارير إعلامية حول إمكانية خروج بعض قا ...
- نائب البرهان يبحث مع نائب وزير الخارجية الروسي تعزيز العلاقت ...
- حقائق عن الدماغ يعجز العلم عن تفسيرها
- كيف تتعامل مع كذب المراهقين؟ ومتى تلجأ لأخصائي نفسي؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - بن لادن يهدد المغرب بالبوليساريو